التحكيم والنظام العام في القانون الأردني

كتب الدكتور ياسر العجلوني

سنبحث في هذا المقال بشكل مختصر في التحكيم والنظام العام في قانون التحكيم الأردني (31/2001) من خلال

محورين:

المحور الأول: ماهية اتفاق التحكيم والنظام العام وتدخلاته في الاتفاق التحكيمي.

المحور الثاني: أثر مخالفة النظام العام في التحكيم.


المحور الأول: ماهية اتفاق التحكيم والنظام العام وتدخلاته في الاتفاق التحكيمي.

لا  بد من قبل الولوج في التحكيم والنظام العام من تعريف كل منهما، وإن كان التحكيم قد تم  تعريفه بشكل موسع من قبل فقهاء القانون، الإ أن قانون التحكيم الأردني  رقم  (31/2001)  لم  يعرف التحكيم على عكس قانونه السابق رقم (18 /1953)  ونحن نميل إلى هذا التعريف بأن اتفاق التحكيم هو ” اتفاق الأشخاص (الطبيعية أو الاعتبارية) على عرض نزاع قائم بينهم (مشارطه) أو محتمل (شرط) ا نشئ عن عقد أو دون عقد على فرد أو على هيئة لاختيار الفرد أو الافراد المحكمين ولتنظيم عملية التحكيم أو أفراد عاديين يختارونهم مباشرة أو يبينوا طريقة اختيارهم للفصل فيه خلال فترة  زمنية معينة يحددونها او يتركون تحديدها للقانون وفقا لقواعد القانون (تحكيم بالقضاء) وفقا لقواعد العدالة والأنصاف (تحكيم بالصلح) دون عرضه على قضاء الدولة، وذلك بقرار ملزم لهم  ويرمي إلى استمرارية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بينهم .

 وبطبيعة الحال  فهذا هو المفهوم  للتحكيم والقانون الأردني رقم (31/2001) أخذ  بهذا التعريف من خلال نصوص مواد القانون التي أوضحت ماهية التحكيم والمحكم.

ما النظام العام فهو فكرة تستعصي على التحديد بطبيعتها ومختلفة من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر لذلك فهناك تباين في  تعريفه وحصره بمعاني ثابتة لعدم ثباته وهو مرتبط بطبيعة الحال ارتباطا وثيقا بالدولة فيتطور بتطورها ويتسع باتساعها.

 ويمكن تعريف النظام العام بأنه الأسس والمفاهيم والعقائد السائدة التي يقوم عليها المجتمع سواء كانت اجتماعية اواقتصادية أو سياسية وكلها قابلة للتطور وبحسب ظروف الزمان والمكان. وعليه فإن النظام العام كفكرة ترمي إلى حماية المجتمع الوطني والأسس الجوهرية التي يقوم عليها ، وأما الحماية الفردية فإنها تخرج من هذا المفهوم وهو الحماية الخاصة فلا تعتبر من قبيل النظام العام ولا يمكن حمايتها الا من قبل الأفراد أنفسهم برد هذا الاعتداء من خلال القضاء، أما الحماية المجتمعية فإن المحكمة هي التي تفصل بها من تلقاء نفسها، وهذا ما نصت عليه المادة ( 49/ب ) من قانون التحكيم الأردني

 رقم (31/2001)بأن محكمة الاستئناف وهي المحكمة صاحبة الصلاحية سواء ما تم أو أجرى ضمن اختصاصها التحكيم أو محكمة الاستئناف التي يتفق عليها الطرفان هي التي  تنظر في دعوى البطلان من تلقاء نفسها فيما تضمن ما يخالف النظام العام في المملكة ، وهو ما تضمنه قانون الاونسيترال  في مادته (36 / 1 /  ب  / 2 ) بأن المحكمة  تقرر من تلقاء نفسها إذا رأت أن الاعتراف بقرار التحكيم أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة للدولة ومخالف للنظام العام وهو ما تضمنته اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم . ويمكن أن يتدخل النظام العام في مراحل التحكيم من بداية الاتفاق على التحكيم إلى حمل التحكيم مرورا بالإجراءات إلى صدور القرار وتنفيذه

 وبما أن الأساس في اتفاق التحكيم هو سلطان الارادة للأطراف وحرية الاطراف في اختيار الطريق الاستثنائي البديل عن القضاء فايجوز مخالفة النظام العام الذي يهدف إلى حماية القواعد القانونية المحلية مستقرة وحماية المصالح المجتمعية. وقد أقر القانون هذا الطريق في حرية الخصوم اختيار التحكيم بديلا عن القضاء وحريتهم في اختيار الإجراءات وطبيعة القانون الذي يحكم حل الخلاف أو تركه لقواعد العدالة إلى طريق التبليغات مرورا بالمكان والزمان الذي يتفقان عليه وكل ما له علاقة بأن لا يبطل الاتفاق وبالتالي لا يجوز لهم الخروج عن القواعد الآمرة التي  تعتبر من قبيل النظام العام، لأن ليس كل نص أمر يتصل بالمصلحة العليا للدولة أو يحمي نظامها العام .

فلا يجوز الاتفاق التحكيمي الا للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين يملكون حق التصرف في حقوقهم, ولا يجوز التحكيم إلا في المسائل التي يجوز فيها الصلح،  واتفاق التحكيم في  صورتيه المشارطة  للتحكيم وشرط التحكيم وهما أن يتم التحكيم بعد وقوع النزاع في الأولى وأن يتفق بداية على التحكيم في الثانية لا بد من توافر الشروط الشكلية والموضوعة وهذا أكده قانون التحكيم الأردني بخصوص الأهلية والرضا والمحل الموافق للنظام العام فلا يجوز التحكيم فيما لا يجوز فيه الصلح.

أما المحكم  فيجب أصولا أن يتمتع بالأهلية وأن لا يكون محكوما بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب إشهار إفلاسه  ولو رد إليه اعتباره وأن يكون قبول المحكم لمهمة لتحكيم كتابة، وكذلك لا يجوز  للمحكم تجاوز مهمته المبينة في اتفاق التحكيم أو إصدار الحكم خارج الوقت المتفق عليه وهو من قبيل مخالفة المحكم للنظام العام . والاهم من ذلك عدم جواز قبول المحكم  الاتفاق التحكيمي إذا كان مخالفا للنظام العام شأنه في ذلك المحكمة الوطنية التي تردها من تلقاء نفسها ، كون المحكم هو العنصر الاهم  في منظومة المنازعات التحكيمية وله ما ليس لغيره من السلطات المكانية والزمانية على المنازعة التحكيمية.

ومن جانبنا، نؤكد على ضرورة وجود ثوابت دولية جيب عدم مجاوزتها  كما هي الرشوة والفساد وبيع الاعضاء البشرية وغيرها من ما يعتبر نظاما دوليا، بالإضافة إلى مراعاة النظام الداخلي للدول حماية للقواعد القانونية والمجتمعية.


المحور الثاني: أثر مخالفة النظام العام في التحكيم

الأصل أن يكون القرار التحكيمي قابل للتنفيذ سواء كان الاتفاق التحكيمي داخلي (محلي ) أم خارجي (دولي) من خلال الالتزام  بالقواعد الاتفاقية التحكيمية التي غالبا ما نصت عليها القوانين المحلية المستمدة  بطبيعة الحال من الاتفاقيات الدولية كما هو الحال في اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم لعام 1958 أو قانون الأنونسيترال للتحكيم لعام 1985، وهنا نؤكد بأن قانون التحكيم  الأردني رقم (31/2001) لم يخرج عن الاتفاقيات الدولية، وعليه فقد نص قانون التحكيم الأردني في المادة (49/ ب) بأن المحكمة المختصة  تنظر دعوى البطلان من ذاتها فيما تضمن ما يخالف النظام العام في المملكة أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم، وهو لا يختلف عما جاءت به اتفاقية نيويورك التي أكدت حق الدولة في حماية نظامها العام الداخلي وهذا ما نصت عليه وتم الاشارة إليه في مادتها (5 /2 / ب) بأنه يمكن رفض الاعتراف  بقرار التحكيم وتنفيذه إذا رأت السلطات في البلد المطلوب تنفيذ القرار فيه مخالفة النظام العام لذلك البلد، وأيضا فرضت قواعد الأنونسيترال الحماية القانونية في حال مخالفة النظام العام

 . وهنا نقول ونؤكد بأن الأصل سلامة الاتفاق التحكيمي ونفاذه  بمجرد إنهاء فترة الطعن بالبطلان حسب نص القانون. إلا إذا طعن أحد الاطراف وبالعادة هو الطرف المتضرر بمخالفة قرار التحكيم للنظام العام وفي هذه الحالة جيب أن يبني الطاعن بالتفصيل أين تم مخالفة النظام العام وإلا يجب أن لا يؤخذ بهذا الطعن وفي حال كان القرار التحكيمي يخالف بجزئية معينة للنظام العام الداخلي ولا يؤثر القرار التحكيمي المخالف بجزئية على سلامة باقي الاتفاق فإنه بحسب نص القانون ينفذ ما بقي من القرار التحكيمي بالجزء المتبقي  كما ذكرنا في حدود عدم التعدي أو إذا كانت التجزئة لا تؤثر على تنفيذ ما بقى من اتفاق.

ويثور التساؤل عن الوقت الذي تكون فيه مخالفة  للنظام العام، هل هو وقت الاتفاق أم وقت التنفيذ كون النظام العام مختلف ومتطور من الناحية الزمانية، المستشار محمد الديري يرى بأن مفهوم النظام العام الذي يتعين إخضاع حكم التحكيم له بوقت ممارسة الرقابة على الحكم وهي ذاتها القاعدة المماثلة لهذا المبدأ والتي تطبق على الاحكام الاجنبية والتي يطلق عليها مبدأ وقتية النظام العام، وبالتالي يمكن أن يكون حكم التحكيم متوافقا مع النظام العام لحظة صدوره بينما يعتبر ضد النظام لحظة المطالبة بتنفيذه .

كما أن أطراف النزاع قد يتفقوا على اختيار قانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم وهم على علم والمحكم  بمخالفته النظام العام فهل يستطيع المحكم أن يغير هذا القانون؟، كما ذكرنا فإن على المحكم واجب في ضرورة احترام الانظمة القانونية التي سيتم تطبيقها على النزاع، ويفرض عليه اتفاق التحكيم إقامة التوازن بين مراعاة مصالح أطراف النزاع من ناحية ومراعاة مصالح المجتمع او المجتمعات التي  قد تتأثر بنتيجة التحكيم، والمطوب من المحكم هو بذل العناية اللازمة لحسن سير التحكيم وتنفيذ قراره .

وفي هذا تذهب قواعد غرفة التجارة الدولية في ضرورة أن يتوخى مركز التحكيم أن يطبق القانون الممكن تنفيذه، وعلى المحكم أن يستبعد القانون الذي اختاره الاطراف إذا تبين له أن هذا الاختيار سيؤدي إلى عدم تنفيذ حكم التحكيم وعلى المحكم التزام التأكد من قابلية حكمه للتنفيذ.

وهذا يعني أنه بالضرورة معرفة المحكم أو هيئة التحكيم النظام العام الخاص المراد تطبيقه من قبل الاطراف وفي حال عدم مطابقته البحث عن النظام العام القريب من النزاع والاطراف، وهذا غير منطقي ومخالف للقواعد القانونية وبالتالي بطلان التحكيم في القانون الأردني وغيره من الاتفاقيات الدولية ، الا إذا لم  يتفق اطراف النزاع على القانون واجب التطبيق ، وفي حال أن تم إحالة الاتفاق إلى قانون مخالف للنظام العام قواعد الأنونسيترال  بينت بعدم الاستمرار في التحكيم من قبل المحكم.

أما في  حال مل يتفق الاطراف على قانون فإنه ملزم بالبحث عن قانون واجب التنفيذ لأنه أصبح بمهمة الوصول إلى نتيجة وليس فقط بذل عناية. وفي حال أن اختلف مكان تطبيق قرار التحكيم في أكثر من بلد أو جهة، بالإضافة إلى تطبيق النظام العام الدولي وجب على المحكم مراعاة جميع تلك البلدان ونظامها العام.

وحتى تخرج من ما هو نظاما عاما داخليا  فلا بد من اعتماد الهيئات الدولية للتحكيم واعتمادها للخروج من التحكيم الداخلي حتى تستمر المعاملات التجارية في استقرار وكذلك لسهولة الوصول إلى قواعدها وعدم الخروج عن ما يعكر صفو التحكيم الدولي عند اللجوء إلى التنفيذ.

لقراءة وتحميل المقالة كاملة مع المراجع انقر على الرابط التالي https://aqaba-gulf-arbitration.com/wp-content/uploads/2023/01/التحكيم-والنظام-العام-ياسر-العجلوني.pdf

شارك هذا المحتوى:

تعليقان (2) على “التحكيم والنظام العام في القانون الأردني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *